الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن
.ومن باب في الحمر الأهلية: قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن أبي زياد حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن منصور عن عبيد أبي الحسن عن عبد الرحمن عن غالب بن أبجر قال: «أصابتنا سنة فلم يكن في مالي شيء أُطعم أهلي إلاّ شيء من حمر وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أصابتنا السنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر وأنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، فقال اطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جَوال القرية». قال أبو داود عبد الرحمن هذا هو ابن معقل. قال الشيخ: لحوم الحمر الأهلية محرمة في قول عامة العلماء، وإنما رويت الرخصة فيها عن ابن عباس رضي الله عنهما ولعل الحديث في تحريمها لم يبلغه، فأما حديث ابن أبجر فقد اختلف في إسناده. قال أبو داود: رواه شعبة عن عبيد أبي الحسن عن عبد الرحمن بن معقل عن عبد الرحمن بن بشر عن ناس من مزينة «أن سيد مزينة أبجر أو ابن أبجر سأل النبي صلى الله عليه وسلم...». ورواه مسعر فقال عن ابن عبيد عن ابن معقل عن رجلين من مزينة أحدهما عن الآخر، وقد ثبت التحريم من طريق جابر متصلًا. والرجل الذي رواه عنه عمرو بن دينار ولم يسمه في رواية أبى داود وهو محمد بن علي حدثونا به عن يحيى بن محمد بن يحيى. حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر قال: «نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل». وأما قوله: «إنما حرمتها من أجل جوال القرية» فإن الجوال هي التي تأكل العذرة وهي الجلة، إلا أن هذا لا يثبت وقد ثبت أنه إنما نهى عن لحومها لأنها رجس. حدثناه ابن مالك حدثنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال: «لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصبنا حمرًا خارجًا من القرية فنحرنا فطبخنا فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ أن الله ورسوله ينهيانكم عنها وأنها رجس من عمل الشيطان فأكفئت القدور بما فيها وإنها لتفور». .ومن باب الطافي من السمك: قال أبو داود: روى هذا الحديث سفيان الثوري وأيوب وحماد، عَن أبي الزبير أوقفوه على جابر، وقد أسند هذا الحديث أيضًا من وجه ضعيف عن ابن أبي ذئب، عَن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ: قد ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه أباح الطافي من السمك ثبت ذلك، عَن أبي بكر الصديق وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما، وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح ومكحول وإبراهيم النخعي، وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور، وروي عن جابر وابن عباس رضي الله عنهما كرها الطافي من السمك وإليه ذهب جابر بن زيد وطاوس وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. .ومن باب أكل دواب البحر: قال الشيخ: الخبط ورق الشجر يضرب بالعصا فيسقط. وفيه دليل على أن دواب البحر كلها مباحة إلاّ الضفدع لما جاء من النهي وإن ميتتها حلال، ألا تراه يقول هل معكم من لحمه شيء فأرسلنا إليه فأكل وهذا حال رفاهية لا حال ضرورة. وقد روي، عَن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن كل دابة في البحر فقد ذبحها الله لكم أو ذكاها لكم. وعن محمد بن علي أنه قال كل ما في البحر ذكي، وكان الأوزاعي يقول كل شيء كان عيشه في الماء فهو حلال قيل فالتمساح قال نعم، وغالب مذهب الشافعي إباحة دواب البحر كلها إلاّ الضفدع لما جاء من النهي عن قتلها. وكان أبو ثور يقول جميع ما يأوي إلى الماء فهو حلال فما كان منه يذكى لم يحل إلاّ بذكاة وما كان منه لا يذكى مثل السمك أخذه حيًا وميتًا. وكره أبو حنيفة دواب البحر كلها إلاّ السمك. وقال سفيان الثوري أرجو أن لا يكون بالسرطان بأس. وقال ابن وهب سألت الليث بن سعد عن أكل خنزير الماء وكلب الماء وإنسان الماء ودواب الماء كلها، فقال أما إنسان الماء فلا يؤكل على شيء من الحالات، والخنزير إذا سماه الناس خنزيرًا فلا يؤكل، وقد حرم الله الخنزير وأما الكلاب فليس بها بأس في البر والبحر. قلت: لم يختلفوا أن المار ما هي مباح أكله وهو شبيه بالحيات ويسمى أيضًا حية، فدل ذلك على بطلان اعتبار معنى الأسماء والأشباه في حيوان البحر، وإنما هي كلها سموك وإن اختلفت أشكالها وصورها وقد قال سبحانه: {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم} [المائدة: 96] فدخل كل ما يصاد من البحر من حيوانه لا يخص شيء منه إلاّ بدليل، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال: «طهور ماؤه حلال ميتته» فلم يستثن شيئًا منها دون شيء، فقضية العموم توجب فيها الإباحة إلاّ ما استثناه الدليل والله أعلم. .ومن باب المضطر إلى الميتة: قال الشيخ: الغبوق العشاء، والصبوح الغداء، والقدح من اللبن بالغداة، والقدح بالعشي يمسك الرمق ويقيم النفس وإن كان لا يغذو البدن ولا يشبع الشبع التام، وقد أباح لهم مع ذلك تناول الميتة فكان دلالته أن تناول الميتة مباح إلى أن تأخذ النفس حاجتها من القوت، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس وهو أحد قولي الشافعي، وذلك أن الحاجة منه قائمة إلى الطعام في تلك الحال كهي في الحال المتقدمة فمنعه بعد إباحته له غير جائز قبل أن يأخذ منه حاجته وهذا كالرجل يخاف العنت ولا يحد طولًا لحرة فإذا أبيح له نكاح الأمة وصار إلى أدنى حال التعفف لم يبطل النكاح. وقال أبو حنيفة لا يجوز له أن يتناول منه إلاّ قدر ما يمسك رمقه. وإليه ذهب المزني قالوا وذلك لأنه لو كان في الابتداء بهذا الحال لم يجز له أن يأكل شيئًا منها فكذلك إذا بلغها بعد تناولها. وقد روي نحو من هذا عن الحسن البصري، وقال قتادة لا يتضلع منها. .ومن باب في أكل الجبن: قال الشيخ: إنما جاء به أبو داود من أجل أن الجبن كان يعمله قوم الكفار لا تحل ذكاتهم وكانوا يعقدونها بالأنافج وكان من المسلمين من يشاركهم في صنعة الجبن فأباحه النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهر الحال ولم يمتنع من أكله من أجل مشاركة الكفار المسلمين فيه. .ومن باب في الخل: قال الشيخ: معنى هذا الكلام الاقتصاد في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة كأنه يقول ائتدموا بالخل وما كان في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا في المطعم فإن تناول الشهوات مفسدة للدين مسقمة للبدن. وفيه من الفقه أن من حلف لا يأتدم فأكل خبزة بخل حنث. .ومن باب في الثوم: قال الشيخ: قوله: «أتي ببدر» يريد بطبق وسمي الطبق بدرًا لاستدارته، ومنه سمي القمر قبل كماله بدرًا وذلك لاستدارته وحسن اتساقه. وقوله: «فليعتزل مسجدنا» إنما أمره باعتزال المسجد عقوبة له وليس هذا من باب الأعذار التي تبيح للمرء التخلف عن الجماعة كالمطر والريح العاصف ونحوهما من الأمور، وقد رأيت بعض الناس صنف في الأعذار المانعة عن حضور الجماعة بابًا ووضع فيها أكل الثوم والبصل وليس هذا من ذلك في شيء والله أعلم. .ومن باب القران بالتمر عند الأكل: قال الشيخ: إنما جاء النهي عن القران لمعنى مفهوم وعلة معلومة وهي ما كان القوم من شدة العيش وضيق الطعام وإعوازه، وكانوا يتجوزون في المأكل ويواسون من القليل فإذا اجتمعوا على الأكل تجافى بعضهم عن الطعام لبعض وآثر صاحبه على نفسه، غير أن الطعام ربما يكون مشفوهًا. وفي القوم من بلغ به الجوع الشدة فهو يشفق من فنائه قبل أن يأخذ حاجته منه فربما قرن بين التمرتين وأعظم اللقمة ليسد به الجوع وتشفى به القَرَمَ فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيه وأمر بالاستئذان ليستطيب به نفس أصحابه فلا يجدوا في أنفسهم من ذلك إذا رأوه قد استأثر به عليهم، أما اليوم فقد كثر الخير واتسعت الرحال وصار الناس إذا اجتمعوا تلاطفوا على الأكل وتحاضوا على الطعام فهم لا يحتاجون إلى الاستئذان في مثل ذلك إلاّ أن يحدث حال من الضيق والإعواز تدعو الضرورة فيها إلى مثل ذلك فيعود الأمر إليه إذا عادت العلة والله أعلم. .ومن باب الجمع بين الشيئين في الأكل: قال الشيخ: فيه إثبات الطب والعلاج ومقابلة الشيء الضار بالشيء المضاد له في طبعه على مذهب الطب والعلاج؛ ومنه إباحة التوسع من الأطعمة والنيل من الملاذ المباحة، والطبيخ لغة في البطيخ. .ومن باب الأكل في آنية أهل الكتاب والمجوس والطبخ فيها: قال الشيخ: ظاهر هذا يبيح استعمال آنية المشركين على الإطلاق من غير غسل لها وتنظيف، وهذه الإباحة مقيدة بالشرط الذي هو مذكور في الحديث الذي يليه في هذا الباب. قال أبو داود: حدثنا نصر بن عاصم حدثنا محمد بن شعيب أنبأنا عبد الله بن العلاء بن زَبْر، عَن أبي عبيد الله مسلم بن مِشْكم، عَن أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه «أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا». قال الشيخ: والأصل في هذا أنه إذا كان معلومًا من حال المشركين أنهم يطبخون في قدورهم لحم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمور فإنه لا يجوز استعمالها إلاّ بعد الغسل والتنظيف، فأما مياههم وثيابهم فإنها على الطهارة كمياه المسلمين وثبابهم إلاّ أن يكونوا من قوم لا يتحاشون النجاسات أو كان من عادتهم استعمال الأبوال في طهورهم فإن استعمال ثيابهم غير جائز إلاّ أن لا يعلم أنه لم يصبها شيء من النجاسات والله أعلم. والرحض الغسل.
|